الذي أصاب جويرية وقومها ذلك الشوق والحنين إلى تلك المرابع .. رغم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يكرمون أسراهم .. (ويطعمون الطعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا) .. رغم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يؤثرون الأسرى بالطعام الجيد على أنفسهم إلَّا أن قطرات الذلّ تفسد أشهى الأطباق .. وهو ذلّ جلبه الشرك لبني المصطلق .. فلولا استعدادهم وإعدادهم للهجوم على المدينة وأهلها لما أصابهم ما أصابهم .. كان بنو المصطلق يحلمون بسبايا المدينة يقتادونها نحو مرابعهم .. يحلمون بدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ودعوته .. لكن الله ردّ كيدهم في نحورهم .. وها هي بيوتهم وأحلامهم قد خلت منهم .. وها هو جيش محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يعود إلى المدينة بهم .. وفي الطريق يتوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتوقف جيشه للاستراحة قرب المدينة .. فتنبث الجموع هنا وهناك .. ومع حلول الليل تتلاشى تلك الحركة .. وبعد أداء صلاة العشاء يأوي كل إلى فراشه .. ويقوم من يقوم منهم في سياحة مع الله وصلاة .. وكان أحد أفراد الجيش واسمه: صفوان بن معطل متأخرًا عن الجيش -ربما بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكون عينًا خلفية للجيش ونذيرًا لهم إذا ما لحق بهم أحد أو هاجمهم من الخلف .. وبعد منتصف الليل أمر - صلى الله عليه وسلم - جيشه بالحركة نحو المدينة ..
[النبي (صلى الله عليه وسلم) يسبق عائشة]
لكن دون سباق .. دون ركض .. دون ابتسامات وضحكات .. سبق النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة في قصة تفيض بالأحزان والدموع والبراءة .. تحرك الجيش ولم تتحرك عائشة .. وأشرقت الشمس والأحزان على ذلك الموقع فلم تجد فيه سوى فتاة صغيرة منكسرة .. أضاعت عقدها وهودجها .. ورحل عنها حبيبها ووالدها وصويحباتها .. أشرقت الشمس والأحزان على عائشة ..