السرية الشديدة يجب أن تحيط كل عمل يقوم به هذا الرسول الأمين-صلى الله عليه وسلم- .. فعلى جدار التاريخ الطويل قد علقت رؤوس الأنبياء والمصلحين والدعاة .. وأعواد المشانق لا تزال رطبة بدمائهم .. ضريبة الإخلاص فادحة .. تكلف كثيرًا .. تسفح الدماء .. لكن لهذه الدماء الزكية روائح وأطياف تعيش تنعش الأجيال .. وتبعث الحياة فيهم للخلاص.
والحق لا يخفى .. يعرفه الجميع .. عندما يرونه يقولون هذا هو الحق .. ولا يحتاجون لتمييزه إلى غسل أعينهم ولا إلى عركها .. فما سبب التأخر .. لماذا تثقل الخطى؟ السبب هو:
[الوحوش]
وحوش عملاقة تمتد داخل كل فرد منا .. كأننا لها ثياب .. وحوش تتصلب حتى تشلنا وتعجزنا حتى عن الحبو نحو الحق .. إذا كان الحق يرفضها أو يريد إخراجها من ثيابها .. فأي مهمة أمام ابن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- وأي حذر يجب أن يتوخاه في ذلك العصر .. عصر الوحوش.
وهذا ما فعله -صلى الله عليه وسلم- .. عندما بدأ بدعوته .. فقد أسلمت خديجة .. وأسلم ورقة .. وكتمت خديجة إسلامها .. ومات ورقة .. وبقي السر مكتومًا .. ولما أمر -صلى الله عليه وسلم- ببدء الدعوة والإنذار استمر يدعو داخل سراديب من الكتمان والتستر .. استمر يسير تحت الأرض يغرس في باطنها جذورًا قوية .. تؤتى ثمارها بعد حين .. بعد أن ترتفع على سطح الأرض .. عندها يستحيل انتزاعها أو إنكار وجودها .. وقد يقول قائل: إنك تبالغ في ذلك .. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- معروف لدى قريش .. وأصحابه معروفون .. ولم تكن دعوته