لقد قيل إن (في الأسرى أبو وداعة بن صبرة السهمي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن له بمكة ابنًا تاجرًا كيسًا ذا مال كأنكم به قد جاءكم في فداء أبيه)(١) وابنه هذا اسمه: المطلب بن أبي وداعة .. معجزة ينطق بها - صلى الله عليه وسلم - وهو لا ينطق عن الهوى .. لكن ما هو السبب الذي جعل المطلب ينهض مسرعًا نحو المدينة .. دعونا ننتقل إلى أجواء كئيبة بين منازل مكة وجبالها .. حيث أصاب الحجر الذي رأته عاتكة بنت عبد المطلب في منامها كل منزل من منازل قريش .. وشظايا ذلك الحجر الآن نزيف في كل قلب يسكن مكة .. امتلأت البيوت والأخبية بالبكاء والعويل .. وشقت الثياب وارتفع النواح ونثر التراب على الرؤوس .. فأبو سفيان الذي نجا بالقافلة لم ينج من جراح بدر .. فقد أثخنته في أعماقه .. ها هي هند زوجته تنوح وتنوح .. وقد أصيب بما لم يصب به غيرها.
التهمت الصحراء والدها عتبة وعمها شيبة وأخاها الوليد .. وهم شجعان العرب، لكن حمزة وعلي وعبيدة رضي الله عنهم كانوا أشجع وأشد بأسًا .. ترى ماذا فعلت هند بثيابها .. وإلى أي مدى ارتفع نشيجها ونواحها .. وهناك أم جميل .. حمالة الحطب المجرمة .. لا بد أنها احترقت بما سمعت .. وزوجة أبي جهل ماذا فعلت عندما أخبرها عكرمة بقصة هلاك والده .. وزوجة أمية بن خلف لا بد أنه قد جن جنونها عندما علمت بتلف زوجها وابنها علي .. أبو لهب هل طار صوابه ودوي انتصار ابن أخيه يطرق المدى والآفاق .. مناخ بائس .. ومكة تكاد تحترق بأنفاس أهلها اليائسين الحانقين .. الذهول تجده في كل زاوية وعلى كل وجه ..