بقي جابر على ثغور المدينة .. وغادر والده عبد الله بصحبة رفيقه عمرو بن الجموح وأبنائه وأخته فاطمة .. غادروا المدينة صاخبة .. مزدحمة بالعناق والدموع .. ها هو حذيفة بن اليمان ووالده "حسيل" اللذان أرغمهما المشركون على أن يقسما ألا يشاركا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر .. ها هما اليوم على أُهبة الاستعداد والإعداد للفتك بالشرك .. لكن الأمر جاء على غير ما يحبّان .. إن حذيفة يودع والده الآن .. لكن الذي سيبقى هذه المرة هو الوالد والذي سيغادر هو حذيفة رضي الله عنهما .. فلقد أمر - صلى الله عليه وسلم - حسيلًا بالبقاء لحراسة المدينة، كما أمر شيخًا آخر بالبقاء مع حسيل .. واسم هذا الشيخ:"ثابت بن وقش"، فبقيا كارهن أن تفوتهما الشهادة.
انظروا إلى هذا المنزل العظيم .. ففيه تستعرّ نار الفراق والوجد .. إنه منزل الكريم .. الكريم سعد بن الربيع الذي عرض نصف ماله وإحدى زوجاته على عبد الرحمن بن عوف .. تناثرت الدموع دموع ابنتيه الوحيدتن ودموع زوجته التي بقيت معه .. إن حاله كحال والد جابر .. لقد خرج سعد وخرجنا معه إلى ناحية أخرى .. إنها الناحية التي انزوى فيها صحابيان عن الناس .. ماذا يفعلان؟ إنهما يدعوان .. يبوحان فيبحر الدعاء بهما .. دعونا نبحر معهما إلى جزيرة هذا وجزيرة ذاك .. ولكن قبل ذلك نودّ التعرف إليهما ..
[إنهما من الأوائل]
أمّا الأول، فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله .. وهو سعد بن أبي وقاص .. أمهر من رمى السهام.
وأمّا الآخر .. فأوّل من قاد سرية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدولة الإِسلام