وبعد هذا كله يتنزل العذر من فوق سبع سماوات انتصارًا من الله لعباده .. وتبرئة لساحتهم البيضاء من دنس أهل الشرك .. الذين ارتكبوا الفظائع والشنائع بحق الله أولًا ثم بحق رسوله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام .. عاد الصحابة نصرًا وبراءةً .. عادوا ليجدوا في المدينة خبرًا .. ليجدوا في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرحًا .. وفي وجوه يهود كدرًا وظلمةً .. لقد فقدت يهود شيئًا عظيمًا .. وانقطع آخر الحبال التي كانت ترى أنه قد يربطها بنبي الإِسلام -صلى الله عليه وسلم- .. اليهودُ حداد .. اليهود سواد بعد أن طرق ذلك الخبر أبواب حصونهم المنيعة وآذانهم المسدودة.
[فما هو هذا الخبر]
هذا الخبر هدية قادمة من السماء .. كان في الماضي شوقًا وأمنية تتردد في صدره -صلى الله عليه وسلم- مذ كان في مكة .. مذ كان يخر ساجدًا لله في بيته المحرم .. متجهًا بقلبه نحو الله .. مستقبلًا الشام .. حيث المسجد الأقصى .. لكنه كان يقوم بحركة تعبر عن ذلك الحلم الذي لا يستطيع الإفضاء به .. كان -صلى الله عليه وسلم- يجعل الكعبة أمام وجهه بحيث تكون بينه وبين المسجد الأقصى .. لكن ماذا عنه الآن .. إنه ما زال ينفذ أمر ربه .. فيستقبل المسجد الأقصى .. أما الكعبة .. أما حبيبته الحزينة .. التي نشأ بالقرب منها .. وأحبها ووضع حجرها .. فالجاهلية بينهما .. حبيبته بعيدة .. لا يستطيع رؤيتها .. ولا الحديث إليها .. ولا تحسس لباسها .. ولا حتى استقبالها .. إنها هناك أسيرة .. وهو ها هنا مشتاق .. يتقلب وجهه في السماء .. ويطوف طرفه في أرجائها (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ