فالميسر -وهو القمار- مرض آخر من أمراض التخلّف واللامسؤولية .. فالإنسان الذي يكدّ ويكدح من أجل تحصيل مال .. وبعد أن يجمعه يقف على شرفة جبل تطل على بحر فيرمي كل ما جمعه في سنين في ذلك البحر .. الإنسان الذي يفعل ذلك أبسط ما يقال عنه إنه: مجنون .. والمجنون لا يترك ولا يسمح له أن يؤذي نفسه ولا غيره.
الميسر يدمر الأسر والدول والأخلاق .. الخمر والميسر نوعان من أنواع الجنون .. ورسالة الإِسلام توقظ العقول .. توقدها تحضّرًا ورقيًا وتمدّنًا .. فكيف تلقى الصحابة هذا الخبر .. كيف استقبلته قلوبهم ونفوسهم .. كيف استقبله أولئك الذين كانوا لا يصبرون عنها .. تعالوا إلى بيت أم سليم وأبي طلحة حيث كان: أبو دجانة .. وأبو عبيدة .. ومعاذ بن جبل .. وسهيل بن بيضاء .. وأبي بن كعب رضي الله عنهم في ضيافة أبي طلحة رضي الله عنه .. كانوا ندامى .. يحتسون أقداحًا من الخمرة .. وكان ساقي أولئك الندامى الأخيار ابن أم سليم .. أنس بن مالك رضي الله عنه .. الذي يقول: (بينما أنا أدير الكاس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسهيل بن بيضاء، وأبي دجانة، "وأبي بن كعب" حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر، "فإذا مناد ينادي، قال: أخرج فانظر" فسمعنا مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، "فما قالوا: حتى ننظر ونسأل، فقالوا: يا أنس .. اكف ما بقى في إنائك فوالله ما عادوا فيها""فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فهرقتها""يا أنس .. قم إلى هذا الجرار فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا فضربته بأسفله حتى تكسرت" فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج، حتى أهرقنا