المبتسمة .. للأيدي تصافح .. يبشره بأن التوحيد - يغمر أجواء يثرب .. فلقد عادت الحياة إليها من جديد.
أما قريش فقد كانت أسوأ مما تركها عليه .. لقد تحولت في وجه رسول الله وصحبه إلى سدود حديد صلبة .. وأقفال لا مفاتيح لها .. كان المشركون صمتًا مخيفًا يفوح مكيدة وخبثًا .. أما الموحدون فكانوا صمتًا متفائلًا ينتظرون لقاء الأنصار في العقبة الثانية.
[حيرة بين الأقصى والكعبة]
حان موعد الحج .. فتداعى الحجيج وسالوا من كل فج نحو بيت ربهم .. لكن الكعبة لم تكن تنتظر إلا وفدًا قادمًا من حرة يثرب .. فهم لا يحملون أصنامًا .. ولا يعلقون تمائم .. إفم يحملون توحيدًا يغسل الكعبة مما علق بها من أرجاس الشرك .. الشاعر كعب بن مالك أحد هؤلاء الموحدين يحمل شعرًا يحمل طهرًا ويحدثنا فيقول: (خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة مع مشركي قومنا، ومعنا "البراء بن معرور" كبيرنا وسيدنا، حتى إذا كنا بظاهر "البيداء" قال: يا هؤلاء تعلمون أني قد رأيت رأيًا، والله ما أدري توافقون عليه أم لا، فقلنا: وما هو يا أبا بشر؟ قال: إني قد أردت أن أصلي إلى هذه البنية (١)، ولا أجعلها مني بظهر، فقلنا: لا والله لا تفعل، والله ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام. قال البراء بن معرور: فإني والله لمصل إليها، فكان إذا حضرت الصلاة توجه إلى الكعبة، وتوجهنا إلى الشام حتى قدمنا مكة، فقال لي البراء بن معرور: يا ابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حتى أسأله عما صنعته في سفري هذا، فلقد وجدت في نفسي منه بخلافكم إياي. فخرجنا