كادت تطحن أهلها وجدرانها .. كلماتٌ بسيطة وهادئة أعادت السيوف إلى أغمادها .. أعادت العقول إلى رشدها .. وخذلت قريشًا .. وخذلت اليهود المتربصين خلف شقوق الأبواب .. وتم الحفاظ على كيان الدولة الإِسلامية الوليدة من حركة عسكرية كادت تعصف بأحلامها وشبابها .. فالمدينة بحاجة إلى تلك الأحلام وإلى ذلك الشباب .. إلى ذلك النبي العظيم الحكيم -صلى الله عليه وسلم- .. ولم تكن يومًا من الأيام عطشى إلى تلك الدماء التي أدمنت سفحها أياد تمسحت بالجاهلية والأصنام .. ولن تسفك قريش مهما حاولت أكثر مما سيسفكه أهل المدينة بأيدي بعضهم البعض .. الأوس يدركون ذلك جيدًا .. والخزرج يدركون ذلك ويذكرونه .. وخطوات قليلة إلى مقابر ضحايا (بُعاث) تذكرهم متى ما تسلل النسيان إليهم .. إذًا فقد هدأت الأنفس بعد يوم مشحون .. نامت المدينة كطفل على تلك العبارات الحانية كصدر أم حنون ..
وأشرقت الشمس من جديد .. تحمل تعليمات جادةً وأعينًا أكثر اتساعًا على المستقبل والآفاق .. فالمدينة .. المدينة وأهلها في خطر .. وتوقعات أبي بكر الصديق ورؤيته الثاقبة بدأت تتشكل على أرض الواقع.
[فماذا توقع أبو بكر؟]
منذ أكثر من عام .. عندما أخرج من مكة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك اليوم المرير .. وقريش ثائرة الأنفاس مغبرة الأقدام والجياد تبحث عن محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه .. (لما أخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. ليهلكن .. فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} .. قال أبو بكر