مولد محمَّد - صلى الله عليه وسلم - حدث ما زال يهز الدنيا .. هو بشرى للقلوب وفرحة للأرواح .. وبداية الإنقاذ لهذه البشرية من تيه الرمضاء المهلكة .. وتحويل هذه الجموع العطشى وردها إلى النبع الذي أضاعته وفرطت فيه .. لكن ذلك لا يعني أن تتشقق المحبة في القلوب عن أساطير تتنامى وتتنامى حتى تعمى الأبصار وتحطم العقول.
لقد أعمى الحب بعض السذج .. فصاروا يسقون حدث المولود بأمطار الأكاذيب .. فنشأت حوله الأساطير والخرافات.
وجاءت الروايات الملفقة تشوه سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تشويهًا كاد يطيح بأحداث السيرة (١).
لقد حدثنا أولئك الكذابون عنه - صلى الله عليه وسلم - وهو طفل رضيع .. وأنه كان يناغي القمر فحيثما أشار إليه اتجه .. كان يلعب به في مساحات الليل والفضاء. وكذبوا علينا فقالوا: إن النجوم دنت من الأرض عند مولده .. وكذبوا وكذبوا فقالوا: إنه كان هناك لوح من الذهب كتبت عليها أشعار عند رأس أمه يوم مولده. لقد أسرف أولئك وتجنوا على الأجيال التي تنتظر الحقيقة .. تنتظر الحدث كما حدث .. لقد ركبوا موجة التهويل والعواطف التي لا لجام لها .. فكان ذلك الشرخ العظيم في حياة الأمة وبَعْثَرة طاقاتها وأموالها في احتفالات لا سند لها إلا تلال الأكاذيب
(١) لولا فتح الله لعباقرة هذه الأمة وأساتذتها بمنهج النقد العلمى للروايات والأسانيد ... وتمييز الغث من السمين والسقيم من الصحيح. حاولت جمع تلك الأساطير والأكاذيب في موسرعة السيرة.