من معركة ضاع فيها الشرف وسالت فيها الدماء .. وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر الناس تبسمًا .. وأكثر الناس تطيبًا .. وأزكى الناس رائحة .. كأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل إن الله جميل يحب الجمال.
وهناك من يعامل اليهود والنصارى وغيرهم وكأنهم علماء متبحرون في دينهم .. كأنهم يتعمدون الكفر .. وكأن المسلم غير ملزم بدعوتهم قبل بغضهم واضطرارهم إلى أضيق الدروب. ويغفل هؤلاء -وهم في غمرة حماسهم- ويتناسون:
[ما حدث لركانة]
مشرك قوي البنية .. لم يتمكن أحد من طرحه على الأرض .. ويبدو أنه قد تميز عن أهل عصره بتلك البنية البدنية الجبارة .. هذا الرجل يرى في جسده كل ثروته وشهرته .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يرى في تلك العضلات المنحوتة بالنشاط أبوابًا إلى عقل ركانة وروحه .. فلا بأس من طرقها لعل الله أن يهديه للإسلام .. فيقرر صلى الله عليه وسلم ممارسة لهو مباح مع هذا المشرك .. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن ما قام به صلى الله عليه وسلم ليس من اللهو .. فماذا فعل صلى الله عليه وسلم مع ابن ركانة؟ لقد (جاء يزيد بن ركانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلثمائة من الغنم فقال: يا محمَّد، هل لك أن تصارعني؟ قال صلى الله عليه وسلم: وما تجعل لي إن صرعتك؟ قال: مائة من الغنم، فصارعه، فصرعه، ثم قال: هل لك في العود؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وما تجعل لي؟ قال: مائة أخرى، فصارعه، فصرعه، وذكر الثالثة، فقال: يا محمَّد، ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إلي منك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقام عنه ورد عليه غنمه)(١).
(١) رواه الخطيب وصححه الألباني في إرواء الغليل (١٥٠١).