إن أناسًا تعلوهم الغرائز .. وتلوي أعناقهم الشهوات .. فيجهدون في الحصول عليها دون أن يوقفهم نداء ناصح .. أو زجر زاجر .. يبذلون الأموال كالخطوات .. حتى يظفروا بسويعات حمراء وخيمة العواقب .. فهل سيوقفهم صوت دف أو مزمار .. لكن محمدًا أوقفته حفلة عرس .. وهدهدته حتى نام .. لأنه مهذب أتعبته هموم العمل والتزام الوظيفة .. تشققت قدماه من صخور الجبال وأدمتها أشواك الصحاري .. فأمسى مكدود البال منهك القوى .. ييحث عن ساعة يتنفس فيها بهجة ومرحًا .. فلاحَ له من حديث رفاقه الشباب ما قد يهب له ذلك .. فلما مر بذلك الزفاف وجد فيه من اللهو البريء ما أزاح ركام الهم عن قلبه ليبقى مشرعًا للسرور والابتهاج .. ولم تكن المرأة بعد ذلك بعيدة عن خياله وأحاسيسه .. وكان -كأي شاب سوي- بحاجة إلى فتاة تملأ بيته وحياته بالحب والعفاف وتمسح عن جبينه همومًا تقذف بها يوميات مكة المتعبة .. لكنه لم يجد فتاة بل وجد:
[خديجة]
بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي .. امرأة ذات نسب وجمال .. ولها من المال شيء وفير .. سمعت عن محمَّد بن عبد الله فشدها
= وقال الهيثمي (٩/ ٢٢٦): رواه البزار، ورجاله ثقات. ولكن يلاحظ أن أحد رجال هذا السند، هو محمَّد بن عبد الله بن قيس، وهو وإن كان من رجال الشيخين، إلا أن الحافظ قال عنه: مقبول في التقريب (٢/ ٧٩) وهذا القول يجعل حديثه مقبولًا إذا توبع أو كان له شاهد يقويه، وللحديث شاهد ذكره الإمام الذهبي في سيرته (٤١) من طريق مسعر بن كدام عن العباس بن ذريح عن زياد النخعي، حدثنا عمار بن ياسر. وعلة هذا السند جهالة حال زياد النخعي، فقد سكت عنه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل ٣/ ٥٣٦) ولم يعرفه الدارقطني. انظر المغني (٢/ ٢٤٣)