للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول أنس رضي الله عنه: (عمرة الحديبية في ذي القعدة) (١).

ولم تقتصر دعوته - صلى الله عليه وسلم - للخروج على أصحابه .. بل دعا الأعراب المتناثرين حول المدينة لمصاحبته .. علَّ العمرة تذيب ما ببعضهم من جلافة وجفاء. لكن بعض تلك الجلافة كان صدأً لا يذيبه سوى اللهب ..

[موقف بعض الأعراب من الخروج للعمرة]

موقف كالعار .. فبعض الأعراب تصحر من رأسه حتى قدميه .. فهم يتلهفون للنهب والسلب والغنيمة الباردة .. وحساباتهم لا تعدو ذلك .. وهم وإن ادعوا الإِسلام إلا أن أرقام قريش ما زالت تخيفهم .. وحشود الأحزاب ما زالت في نظرهم تكمن خلف الأكمات والهضاب .. أما نصر الله ووعده والثقة برسوله - صلى الله عليه وسلم - ووحي الله له فلا رصيد لها في تلك النفوس المتكلسة .. إنها سراب في الصحراء الممتدة داخلهم .. لقد ظنوا أن قريشًا ستفني محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فلا داعى للمجازفة في معركة معروفة النتائج سلفًا .. ولذا فقد ادعوا أنهم مشغولون بأموالهم وأهلهم وشؤون دنياهم .. وطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لهم وأن يسامحهم عن المسير معه نحو مكة .. لكن الوحي نزل يفضح سوء ظنهم بالله ورسوله .. ويعرى حقيقتهم .. ويكشف عارهم ..

يقول الله سبحانه وتعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ


(١) حديث صحيح رواه البخاري (١٧٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>