وهرب إلى حصنه في أرض خبير وكأنه لم يفعل شيئًا .. إن خطر أمثال ابن أبي الحقيق أشد من خطر جيش بأكمله .. وخيانته لا يمكن أن تتوقف ما دام يعتبرها هو وأتباعه دينًا يتعبد الله بفعله ..
وإذا كان الطائف قد ضاق بالمغيرة .. فمكة تضيق الآن بداهية آخر .. وشجاع آخر وهو الآن يهرب منها. إنه:
[عمرو بن العاص يهرب من مكة]
كَلَّ دهاؤه وتفتت على حافة الخندق .. وعاد مكسورًا مع من عاد من قومه إلى مكة .. تأمل المكان الذي أوصله إليه شركه ودهاؤه .. فوجده بعيدًا جدًا عن المنطق .. وأدرك أن هذا النبي وهذا الدين أعظم من أي دهاء .. وأقوى من أي كيد .. توجه عمرو بن العاص وهو الرأس في قومه إلى حيث يلتجئ الضعفاء والمساكين .. توجه محمولًا بالعناد والحيرة إلى الحبشة حيث يلتجئ جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه وأصحابه بعيدًا عن أيدي قريش .. ركب عمرو بن العاص سفينة قذفته في أرض الحبشة .. وأقام هناك إقامة متواضعة مقارنة بإقامة المؤمنين الذين يحظون بحب وحماية النجاشى ملك الحبشة رضى الله عنه .. وفي أحد تلك الليالي الحبشية لمح عمرو بن العاص جعفرًا رضى الله عنه فلحق به .. يقول عمرو:
(فلما كان ذا عشية لقيته في السكة، فنظرت خلفه، فلم أر خلفه أحدًا، فأخذت بيده .. فقلت:
تعلم أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فغمزني، وقال: أنت على هذا.
وتفرقنا .. فما هو إلا أن أتيت أصحابي، كأنما شهدوني وإياه، فما