تستطيع رؤيتها .. لا تستطيع توديعها .. تتمنى أن تلقي عليها نظرة الوداع .. قبلة الوداع فلا تستطيع .. البحر أمامها والخوف وقريش .. كم هي قاسية أيام مكة على محمَّد وعلى آل محمَّد وعلى صحب محمَّد صلى الله عليهم جميعًا.
لم يلن قلب قريش .. استمروا بالأذى .. وتحولت جبال مكة مخازن أحزان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله الطاهرين وصحبه الكرام .. يتدفق الكرب موجة إثر موجة .. موجة أخفت خديجة .. وتلتها للحزن موجة .. أغرقت شيخًا كبيرًا .. حاميًا درعًا حصينًا اسمه:
[أبو طالب]
بطل من أبطال قريش .. وسيد من سادتها .. هدَّته قريش كما هدته السنون والأحزان .. كان خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحميه .. يدفع عنه .. رضي بالعيش في السجن معه وقاسمه معاناته .. لكنها الأيام لا ترحم .. والأقدار إذا أقبلت فلا راد لها .. جاءت الأقدار فسقط أبو طالب مريضًا على فراشه .. ما زال على كفره .. قد تشبع رأسه بعيب قريش .. كان يخشى النقيصة .. يخشى أن تعيره مكة بعد موته بأنه قد ترك دين آبائه وأجداده .. واشتد به المرض .. ولعل سجن الشعب من أسبابه .. ودنا الأجل (ولما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
يا عم قل:"لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله".