الذين انحدروا من جبال العناد والطائف نحو المدينة مبايعين .. وكان بصحبتهم رجل شريد أعياه التعب والخوف من النبي - صلى الله عليه وسلم - وضاق به الطائف بل ضاقت به الأرض .. ضاقت الدنيا بوحشي بن حرب قاتل حمزة لكن رجلًا حكيمًا نصحه بالانحدار معهم والتوجه نحو أبواب الحرية الحقيقة التي أشرعها النبي - صلى الله عليه وسلم - .. يقول وحشي:"لما قدمت مكة أعتقت ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة هربت إلى الطائف .. فمكثت بها فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسلموا تعيت علي المذاهب فقلت ألحق بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد .. فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل: ويحك إنه والله ما يقتل أحدًا من الناس دخل في دينه وتشهد شهادته .. فلما قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة"(١) مع وفد ثقيف الذين فرضوا على النبي عليه السلام شروطًا غريبة تمنحهم -كما يظنون- تميزًا بين القبائل .. لكن أفق النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كالمدى ونظرته كانت أبعد بكثير .. فما هي قصة وفد ثقيف المملوءة بالكثير والجميل ..
اقتربنا من المدينة فإذا رواحل ثقيف تقف خارجها حيث يقوم بحراستها شاب يقال له عثمان بن العاص .. سألناه ما شأنك يا عثمان ولمَ لم تذهب مع أصحابك لمبايعة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فهم هناك منذ أيام وأنت هنا .. أولم تسلم بعد .. ؟ أجابنا عثمان عن كل تساؤلاتنا فقال:
"قدمت في وفد ثقيف حين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلبسنا حللنا بباب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: من يمسك لنا رواحلنا؟ وكل القوم أحب الدخول
(١) جزء من الحديث الصحيح الذي مر معنا حول شهادة حمزة وهذا لفظ ابن إسحاق.