للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مأساة كانت أم سلمة .. مآسي كانت دروب الفرار من الاضطهاد إلى بلد الحرية المفتوح .. لكن ماذا عن سيد المهاجرين .. هل سيبقى وحيدًا في مكة وبيوت أصحابه خالية إلا من بكاء الريح. ترى متى سيهاجر.

[رسول الله يؤمر بالهجرة]

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فأُمِر بالهجرة، وأنزل عليه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (١).

وبعد نزول هذا الأمر الكريم اتجه - صلى الله عليه وسلم - نحو صاحبه أبي بكر في سرية تامة .. متلثمًا، في وقت يلوذ فيه الناس ببيوتهم وتخف وطأتهم على الطرقات والدروب لشدة الحر والرمضاء .. في هذا الوقت الذي يتجول فيه السموم واللهب وحدهما في الطرقات كان - صلى الله عليه وسلم - يطرق باب أبي بكر الصديق بحذر شديد .. تقول عائشة رضي الله عنها: (فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعًا (٢) -في ساعة لم يكن يأتينا فيها- فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر:

"اخرج من عندك" فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول


(١) إسناده حسن. رواه أحمد (تفسير ابن كثير٣/ ٥٨) فقال: حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، وهذا الإسناد حسن وقد مر معنا تخريجه, وقال ابن كثير بعد أن ذكره: قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.
(٢) متغطيًا بثوب متخفيًا عن أعين قريش.

<<  <  ج: ص:  >  >>