حماس الأطفال وحبّهم لتقليد الكبار .. بقي الأطفال كلّهم مع النساء .. إلَّا من بلغ الخامسة عشر مثل عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي كان يتحرّق للقتال يوم أُحُد .. لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردّه .. وها هو اليوم خارج حصن بني حارثة .. ماذا قال لك النبي - صلى الله عليه وسلم - يا عبد الله .. يقول رضي الله عنه:(إن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه)(١)، وسمح له بالقتال والمشاركة بالمعركة .. أمّا من كان دون هذه السن فقد اكتفى بالمشاهدة .. حيث كانت الساحة تموج بالترقّب والتوتّر .. كان المؤمنون فيها خلف سواترهم يرقبون أي اقتحام لهذا الخندق ليضربوا ضربتهم ..
أمّا جيوش الأصنام فقد جنّ جنونها مما ترى أمامها من ذكاء عسكري نادر .. وقيادة لا مثيل لها .. حيّرها هذا الخندق .. هذا الإبداع العسكري الذي لم تعرفه العرب من قبل ولم تستخدمه .. إن اقتحامه ضرب من الجنون أو الانتحار .. أما الغزو عن طريق الجهات الأخرى .. فيعني الهزيمة .. فهل ستكتفي قريش ومن معها من الوثنيين بالحصار والقتال عن بعد .. عن طريق التراشق بالنبل والرماية بالأسهم .. ؟ ربما .. فلن يقدر على اقتحام هذا الخندق إلَّا شجاع أو منتحر .. ها هو الشجاع الذي سيقتحم الخندق .. ها هو وقد استطاع عبوره باحثًا عن مبارز .. إنه عمرو بن عبد ودّ:
[فارس يبحث عنا مبارز]
وقف أمام جيش المؤمنين متحدّيًا .. يفيض شجاعة وحماسًا .. فانبرى له حتف مخيف كحمزة .. خرج له عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .. فبارزه فكان كأمس الذاهب .. وسقط عمرو بن عبد ود وسقط تحدّيه ..