للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (١)، فرح جابر بهذه البشرى، فرح بحفاوة الرب الكريم بأبيه .. فخفّفت البشرى كثيرًا من أحزانه، لكن:

[ما سر حفاوة الله بوالد جابر؟]

ما سرّ هذا الشيخ المحلّق في النعيم .. إنه لم يقاتل كما قاتل حمزة .. ولم تمزقه الطعنات كما مزقت أنس بن النضر .. لقد شرب الخمر -وهو لا يزال مباحًا- ثم انصرف إلى المعركة فكان أول من سقط من الشهداء .. ومع ذلك يلقى كل هذا الفيض الغامر من النعيم .. ؟!

ليس هكذا يُنْظرَ إلى والد جابر رضي الله عنه .. دعونا نتأمل عالم هذا الشيخ من كل زواياه .. دعونا نجعل أنفسنا مكانه .. إن هذا الشيخ الكبير لم يحارب عن اثنين كما فعل سعد في بدر .. ولم يحارب بسيفين كحمزة ..

لكنه كان يحارب في معركتين شرستين .. أحدهما على أرض أُحُد .. أمّا الثانية فكانت ساحتها داخل أعماقه وبين حناياه .. وهي معركة أكثر ضراوة وقسوة .. إنها معركة مع الذات .. مع الدنيا .. مع عواطف الأبوة الجياشة التي تتغلغل في أعماقها تسع بنات مسكينات .. والدنيا .. كل الدنيا .. تعلم أن الشيخ أكثر حنانًا وعطفًا علي بنيه منه وهو شاب .. والدنيا .. كل الدنيا تعرف للبنات رحمة لا تعادل في قلوب الآباء .. فكيف إذ كنّ تسع بنات يترصّد لهن اليتم والفقر .. إن عبد الله بن عمرو بن حرام ينتزع نفسه من بين بناته .. من بين أبوّته وأحزانه ليتّجه بها نحو


= وابن عقيل حسن الحديث إذا لم يخالف انظر: الفتح الرباني للبنا (٢٢/ ٣٠٨). والزيادة له.
(١) سورة آل عمران: الآيات ١٦٩ - ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>