للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجعل يدعو الناس سرًا، فيفشو الإِسلام ويكثر أهله، وهم في ذلك مستخفين بدعائهم) (١).

[غربة مصعب]

لم تخل حياة هذا المعلم الغريب من المعاناة .. فهو بعيد عن مكة .. بعيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ظهره مكشوف للجميع .. لا يملك شيئًا .. لا أهلًا .. ولا مالًا .. ولا سلاحًا .. كل ما يملكه رسالة ربه .. هي زاده وهي سلاحه .. يقتحم الأهوال بها .. لا يأبه إن ضرب أو مات فما خرج من مكة يبحث عن حطام الدنيا .. بل كان يتحسس حطام القلوب والأرواح .. ليجمعها من جديد .. كان يحمل الحياة في هوة الموت .. يردمها .. ثم يزرعها للجميع .. خضراء أشرقت يثرب بمصعب بن عمير .. لكن من يحملون في صدورهم صخورًا .. ساءتهم تلك البهجة وذلك الاخضرار .. فأخبروا سيدًا لهم ليضع للأمر حدًا .. ولمصعب ومن معه نهاية يقفون عندها .. وكان اسم سيدهم هذا (سعد بن معاذ، فأتاهم في لأمَتَه (٢) معه الرمح حتى وقف عليهم فقال لأسعد بن زرارة: علام تأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب، يسفه ضعفاءنا بالباطل، ويدعوكم إليه، ولا أراكم بعدها بشيء من جوارنا. فرجعوا. ثم إنهم عادوا الثانية لبئر مرق (٣) أو قريبًا، فأخبر بهم سعد بن معاذ .. فتواعدهم


(١) حديثٌ حسنٌ بالشواهد وتخريجه في الحديث الذي يليه فهو جزء منه.
(٢) عدة الحرب.
(٣) بئر من آبار المدينة، وبداية هذا الحديث عند هذا البئر كما جاء في أول القصة: إن أسعد ابن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مرق، أو قريبًا منه، فجلسا هناك، وبعثا إلى رهط من أهل الأرض، فأتوهم مستخفين، فبينا مصعب بن عمير يحدثهم ويقص عليهم، وأخبر بهم سعد بن معاذ، فأتاهم في لأمته، الرمح .. إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>