اجلس. حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي) (١) معلنًا تفوق هذا الفتى على كافة رجال وشيوخ أسرة النبي -صلى الله عليه وسلم- .. ومسارعته للحق وهو في زهرة الشباب .. في الوقت الذي تراجع فيه أعمامه وكبار السن من أسرته .. تخلفوا وترددوا .. وعجيب أمر ترددهم وتخلفهم فالمعجزة أمامهم تغمرهم .. تلجمهم إلجامًا .. ها هو الطعام لا ينقص .. وشراب الفرد يكفي العشرات .. وقبل ذلك صانع الطعام .. إنه محمد-صلى الله عليه وسلم- الذي لم يجربوا عليه كذبًا ولا غشًا .. فكيف وقد أتى ببرهان صدقه المعجز: مدٌ من الطعام لا يشبع فردًا واحدًا .. يلتف حوله مجموعة من الرجال .. الفرد منهم يتربع أمام الجذع المطبوخ .. فلا ينهض إلا وقد التهمه كله .. ما الذي حدث حتى تقوم كل هذه المجموعة من فحول الرجال .. وقد شبعت من طعام قليل .. بل إنها لا تنقص منه شيئًا. تلك معجزة لا شك .. برهان على صدق ما سيقوله -صلى الله عليه وسلم- لأسرته .. ومع ذلك لا ينهض منهم مساند إلا فتى .. هو أصغر القوم .. إنهم ليل .. وعلي كالصباح نضارة.
إذًا فقد أعلن -صلى الله عليه وسلم- حربه على الشرك لا على قريش وأعلن أن:
[الله وحده لا شريك له]
لم تترك قريش محمدًا يبوح بما كان يضمره في نفسه ونفوس أصحابه دون أن تطرح عليه أسئلة ملحة .. عن طبيعة هذا الدين .. عن هذا الإله
(١) إسناده قوى. رواه الإمام (الفتح الرباني ٢٠/ ٢٢٣) وعد من طريق: عفان، حدثنا أبو عوانة -وهما ثقتان، عن عثمان بن المغير، وهو ثقة، عن أبي صادق- وهو تابعي ثقة، عن ربيعة بن ناجذ، وهو ثقة أيضًا، وقد بينت في (موسوعة السيرة) سبب جرح الذهبي له، وبينت سبب العلة الحقيقي للرواية التي قصدها الذهبي (٢٤).