عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإِسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة) (١) كلمات مملوءة حسرة وألمًا .. حلف بعدها - صلى الله عليه وسلم - أن لا يترك الجهاد لنشر رسالة الله التي بعثه الله بها إلى جميع الناس .. حتى ينتشر في كل الأرض أو تنقطع سالفته أي يفارق رأسه جسده أو تفارقه روحه .. عزم حديد وبأس شديد .. لكن دون تهور .. دون انفراد بالرأي والقرار .. لقد التفت -صلى الله عليه وسلم- بحديثه إلى أصحابه الذين تجشموا معه الصعاب والألم .. وخاطبهم كعادته .. فرأيهم له وزنه .. وقراراهم له قدره .. شاورهم وهو الذي لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا حقًا .. لتكون الشورى واجبة من بعده على كل قائد وإمام:
[مشاورة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه فى شن الحرب]
استشار - صلى الله عليه وسلم - أصحابه كلهم دون استثناء .. دون تعيين .. ثم أصغى جيدًا .. بعد أن قال: ("أشيروا أيها الناس عليّ .. أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت, فإن يأتونا كان الله عَزَّ وَجَلَّ قد قطع عينًا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين".
قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدًا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه.
(١) حديثٌ حسنٌ رواه ابن إسحاق ومن طريقه أحمد (٤/ ٣٢٣) والبيهقيُّ (٤/ ١٠٠) والطبرانيُّ (٢٠/ ١٥) حدثنى الزهرى عن عروة عن المسور ومروان وسند ابن إسحاق هو سند البخاري.