هاجرت من مكة .. خاضت البحر فألقاها في الحبشة .. وخاضته مرةً ثانية فتهادى بها حتى وضعها بين يدي والدها العطوف الحنون .. وما كادت تتنشق هواء الحرية والأمن حتى أطاح بها المرض فهي طريحة الفراش والوجع في ذلك الشهر الكريم .. رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها ويطمئن عليها ويوصى زوجها الحزين بملازمتها .. رقية بضعة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. والأمة أمانة .. والرسالة أمانة .. هموم تتداعى إلى قلبه -صلى الله عليه وسلم- تتكتل أمام عينيه ولا بد لها من حلول .. رقية مريضة .. وأهل الصفة جائعون .. والمهاجرون قد سُلبوا أموالهم وبيوتهم لينجوا بأنفسهم وإيمانهم من سياط الشرك وأهله .. وهناك فرصة تلوح في الأفق لاسترجاع شيء مما سلبه الطواغيت منهم .. ترى هل يبقى -صلى الله عليه وسلم- قرب ابنته الحبيبة .. أم سيركب إلى تلك الفرصة .. هكذا كانت ليالي رمضان الأولى في المدينة .. لكن كيف كانت ليالي رمضان في مكة .. سندع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يقرر ولنتسلل إلى مكة لنرى:
[كيف كان ليل رمضان في مكة]
إذا كانت أنسام الليل تحمل أنين رقية ودموعها .. فإن أنسام مكة تحترق بزفرات نساء ورجال مستضعفين .. يمنعهم الضعف من البوح بتوحيدهم ودينهم وحبهم لنبيهم -صلى الله عليه وسلم .. أسرارهم كالجمر في صدورهم .. يرعبهم ليل مكة .. ويؤرقهم العيش بين الأصنام والشرك والمشركين الذي كان ليلهم خليطًا من الخمر والغطيط ..
أنسام مكة تحترق بزفرات أخت رقية المريضة .. أختها الكبرى زينب