للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)} (١) ..

هذا هو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .. والذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان .. وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان .. وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان .. وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان .. وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) (٢) ..

شهر الكتب المنزلة التي ضاع بعضها .. وحرف بعضها .. ولم يبق منها سوى القرآن شاهدًا لها .. شَاهدًا على أممها .. التي ضيعتها وحرفتها .. ورغم الصوم .. رغم الجوع والعطش لم يتحول هذا الشهر إلى شهرٍ للخمول .. ولم تتحول المدينة فيه إلى جدران يغط تحتها الصائمون .. ويستندون كالكسل إليها وأعينهم إلى الشمس ينتظرون غروبها .. فالمدينة تعج بالحركة نهارًا .. وبالقيام والتهجد ليلًا .. بيوت المؤمنين في ليالي رمضان تشتعل بنور القرآن .. بالسجود والركوع والدموع .. في تلك الليالي كان هناك أنينًا صادرًا من إحدى الحجرات في بيت من بيوت المدينة .. أنين قادم من الحبشة .. قادم من المعاناة .. وما كادت تستقر به الأقدام بين حرات المدينة حتى كان موعده المحتوم مع المرض والآلام .. فلذة كبد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحشاشة جوفه هي تلك الأنين .. رقية بنت محمَّد -صلى الله عليه وسلم- أقعدها المرض وأسهر زوجها عثمان بن


(١) سورة البقرة: الآيات ١٨٥ - ١٨٧.
(٢) حديث صحيح. صحيح الجامع (١/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>