للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجدته صخرًا .. أما عقله فقد أدرك سحر هذا القرآن وأثره .. لكن أنياب العادات والتقاليد وبقايا سمعته كانت مغروزة فيه .. وهو أضعف من أن يتخلص منها .. فهو في ريبة يتردد لا يجد له استقرارًا .. في نزاع بين ما هو صحيح وبين ما يهواه .. وأخيرًا دحرجته جموع الكفر إلى الكفر .. دحرجت قلبه الصخري على عقله فانطمس ولبث في عماء حتى ألقى مكفنًا بالشرك والعفن .. أما محمَّد صلى الله عليه وسلم فأعلنها:

[لا تنازل]

هذا هو مبدأ سيد البشر صلى الله عليه وسلم وإمام القادة .. لا يقبل إطلاقًا أي تلفيق في المنهج .. لا جسور في العقيدة بينه وبن الكفر إطلاقًا .. لقد نثروا بين يديه خيارات مغرية .. الزعامة .. والمال والسيادة عليهم وهم سادة العرب شم الأنوف في الذرى بين الجميع .. لكنه صلى الله عليه وسلم رفض ذلك كله .. كان بإمكانه أن يتزعمهم ثم ينقلب عليهم إذا اشتد عوده وكثر أتباعه .. كان بإمكانه أن يعقد هدنة معهم ثم يأخذ من المال ما يتيح له أن يعد جيشًا من المرتزقة يحطم به أعداء الله .. لكنه الأمن .. والأمين يقول: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (١) ولن يخون صلى الله عليه وسلم مسلمًا ولا كافرًا ولا مشركًا مهما كانت الأسباب فالأمر عقيدة .. والقيادة عقيدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإما أن تكون لله أو تكون للشيطان .. ولن يشاطر الشيطان قيادةً ولا نهجًا.

لقد كان صلى الله عليه وسلم يتنازل عن حقه .. يؤذى فيصبر .. يسيل دمه فيمسحه


= إسحاق، عن نافع عن ابن عمر وفيه ابن إسحاق لم يصرح بالسماع من نافع فالحديث بهذه الطرق حسن.
(١) حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>