ثم يعود إلى بيته مكسور الخاطر صابرًا حزينًا محتسبًا .. كانوا يضعون النجاسة على ظهره وهو ساجد لوجه ربه وأمام كعبته فيصبر أيضًا ويحتسب .. كان الصحابة يتهافتون عليه يبكون جراحهم يبحثون عن خلاص .. فيطالبهم بالصبر .. ورغم ذلك كله .. وبعد هذا العذاب كله .. تجده يذهب إلى أنديتهم مبتسمًا يدعوهم ويدعوهم ولا يمل من دعوتم .. وكانوا يأتونه في بيته رغم عداوتهم له يضعون أموالهم وودائعهم عنده ويلقبونه بالأمين.
ما الذي يجري وما تفسيره .. سياطهم على ظهره وأموالهم ودائع محفوظة عنده .. لم يقل هؤلاء مشركون نجسون فمالهم حلال لي .. ولا عهد لهم ولا ذمة ولا كرامة .. لم ينتقم لنفسه أبدًا .. لم يعاقب أحدًا لأنه ضربه أو شتمه .. بل كان يدعو لهم بالهداية.
هذا هو الفرق بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين متحمسين شوهوا الإِسلام وأعاقوه أكثر مما أعاقه أعداءه.
هناك من الدعاة من يتنازل عن بعض مبادئ العقيدة من أجل مكسب سياسي .. وهناك من الدعاة من يرى أن السياسة رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه مع أن الحكم والسياسة من توحيد الألوهية الذي هو حق لله سبحانه وحده.
ومن المتحمسين من يحمل بضعة أحاديث يغلفها بسوء ظن ويرصد من حوله ليرميه بالكفر والمروق أو الفسق والانحلال.
وهناك من يحاسب الناس وكأنهم يعلمون كل شىء عما يحاسبهم عليه مثل علمه تمامًا .. وهناك من يدعو الناس وقد حرم على نفسه الابتسامة ورسم على وجهه كل أنواع العبوس والتكشير .. كأنه خارج