من بعد ما أصابهم ما أصابهم من فقد الأحباب والأصحاب .. لكن قريشًا لاذت بالفرار خشية أن يصيبها ما أصابهها في أوّل المعركة .. أو يحدث لها ما كان في غزوة بدر .. فجيش محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كالأسود الجريحة .. الرماة يريدون التكفير عن معصيتهم لأوامر قائدهم - صلى الله عليه وسلم - .. وبقية الصحابة يريدون اللحاق بحمزة وعبد الله بن حرام وأصحابهم .. لعل الله أن يخاطبهم هذا المساء .. لكن قريشًا لاذت بالفرار.
فمكث - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنه بعض الوقت ثم عادوا مثقلين إلى المدينة الحزينة .. المشتاقة إلى نبيّها وفرسانها ..
سأستأذنكم قليلًا لأسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته لا إلى المدينة .. بل سأعود إلى أرض أُحد .. فقد خيّم اللّيل على جبالها وشعابها .. وهناك حركة غريبة تحدث بين تلك الشعاب .. هناك شبح ينهض من بين الأموات ..
شبح على أرض أُحُد
دعونا نقترب منه .. إنه يقف على قدميه .. يترنّح من الألم والبرد يزيد من آلامه .. ها هو .. إنه ليس من الجنّ .. إنه أحد أفراد جيش أبي سفيان .. وقد كان طوال اليوم يتظاهر بالموت والدم ينزف منه .. يقول أنس بن مالك: (كان وهب بن عمير شهد أُحدًا كافرًا، فأصابته جراحة، فكان في القتلى، فمرّ به رجل من الأنصار، فعرفه فوضع سيفه في بطنه حتى خرج من ظهره ثم تركه، فلما دخل الليل وأصابه البرد لحق بمكة، فبرأ، فاجتمع هو وصفوان بن أمية في الحجر، فقال وهب: لولا عيالي ودين عليّ لأحببت أن أكون أنا الذي أقتل محمدًا، فقال له صفوان: كيف تصنع؟