قصة طفل طهور كالبرد .. ولد يتيمًا .. واستمر اليتم يلاحقه ويلاحق طفولته في طرقات مكة ودروبها .. يذيقه المرارة .. يفجعه بأهله وأحبابه ..
ويكبر محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .. وتكبر غربته .. ويكتشف في دروب الحياة يتمًا أكبر من يتمه .. وهمًّا أثقل من همِّه .. فالأرض كلها يتم .. والبشرية تئن همًا وحزنًا يعصر قلبها ..
الجزيرة العربية كانت غابةً من الأصنام .. وأوديةً تسيل دماء بريئة .. تسيل عادات بالية وتقاليد محيرة ..
ماذا يفعل أمامها .. وماذا بيديه حيالها .. ماذا يفعل سوى الغربة مهربًا وملاذًا .. يناجي بها ربه ويعج إليه بالتوحيد والدعاء .. وفي غربته الشعورية تلك تهبط عليه الرسالة .. فيحمل الأمانة وينحدر بها نحو مكة .. نحو أمته فينطق بها بهجة وبشرى لهم .. وينتظر الإجابة .. وتأتي الإجابة على غير ما يتمنى ويحب .. تأتى الإجابة سياطًا وشتائم وتكذيبًا له وهو الذي يلقب بالأمين.
فماذا فعل الأمين - صلى الله عليه وسلم - مع هؤلاء؟
الإجابة كانت أكثر من خمسين عامًا من فنِّ التعامل مع الغير .. نقشها - صلى الله عليه وسلم - في قلوب من حوله وقلوب غيرهم ممّن دبَّ على هذه الأرض إلى قيام الساعة.
الإجابة سيرة لم تكن ماضيًا أبدًا .. بل شعلة توقد شموس الحياة .. ودماء تتدفق في عروق المستقبل والأجيال.