الإيمان في الشدة والأزمات عمود نور كلما ضرب توغل في شغاف القلوب .. الإيمان مطر تنشره رياح الحرية في الأرض .. فإذا قلوب البشر قد اهتزت وربت وأنبتت فيها الحياة العذبة الجميلة .. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفر من مكة .. ويلوذ بالفرار معه أبو بكر .. تطاردهما وحوش قريش وسفهاؤها .. فيجدان الأرض خارج مكة أدغالًا من الخوف والرعب .. صحارى وعطش ورمضاء وعرق .. هذه الشدائد وهذه الأزمات الحرجة تشققت عن مولود إسلامى عظيم أصبح أحد رموز هذه الأمة وعلمائها رمز يدعى:
[عبد الله بن مسعود]
يقول رضي الله عنه:
(كنت غلامًا يافعًا أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط بمكة، فأتى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر -وقد فرا- من المشركين فقالا: يا غلام، عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما، فقالا: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟ قلت: نعم. فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع فدعا .. ، فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة، فحلب فيها، ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقاني، ثم قال للضرع، اقلص. فقلص. فلما كان بعد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: علمني من هذا القول الطيب -يعني القرآن- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: إنك غلام معلم، فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد)(١).
إنها لمعجزة أن يدر ذلك الضرع باللبن ثم يقلص .. كذلك الإِسلام ..
(١) إسناده حسن، رواه البيهقي (٢/ ١٧١) وأبوداود الطيالسي (سيرة ابن كثير ١/ ٤٤٤) من طريق: حماد بن سلمة وهو ثقة وإمام معروف، عن عاصم بن بهدلة، وهو حسن الحديث. انظر التهذيب (٥/ ٣٨) عن الثقة المخضرم زر بن حبيش. فالسند بذلك حسن.