للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال:

لا .. ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبًا .. فلما خرج أمية أخذ لا يترك متزلًا إلا عقل بعيره فلم يزل بذلك) (١) كلما نزل منزلًا عقل بعيره السريع تأهبًا للهرب .. لم يزل كذلك خائفًا يرى الموت خلف الصخور وبين الشجر .. يرى الموت يسيل في الوادي .. يرى الموت مقبلًا مع السحاب .. وفي المساء يرى الظلام عباءة يرتديها الموت .. والنجوم عيون تحدق به.

مضوا خلف أبي جهل مصطحبين المغنيات والخمر والموت حتى وصلوا إلى أرض بين مكة والمدينة يقال إنها كانت (موسمًا من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام) (٢) واسم هذه الأرض:

[بدر]

وقد قرر أبو جهل ومن معه تحويل أرضها إلى ساحة لاحتفالٍ صاخب .. سيجعلون أرض بدر خمرًا ونساءً .. ورقصًا ومقابر لمحمد وأصحابه .. سيجعل أبو جهل من تلك الأرض احتفالًا غير عادي .. احتفالًا لقريش وحدها .. في موعد هو الذي يحدده .. وقد وصف الله عَزَّ وَجَلَّ ذلك الخروج وتلك الغطرسة بقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (٣).

مضت الجموع .. ومضى معهم أمية .. وخيم شبح الموت على كل شبرٍ يسير إليه .. إنه الآن يتوقع خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعض صحابته في أية لحظة ومن أي مكان ليقتلوه .. إنه ليتساءل .. ترى:


(١) حديث صحيح. رواه البخاري (٣٩٥٠).
(٢) تفسير الطبرى (تفسير سورة الأنفال).
(٣) سورة الأنفال: الآية ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>