المدينة ... أليس من سبيل إلى تشريدهم خلف جبال المدينة .. ؟ المدينة تقول: لا يا ابن أبي بن سلول .. ليس هناك من سبيل .. فلقد تغيّر أصحابك .. غيّرهم نبي الله .. وغيّر نفوسهم .. وغيّر بلدتك وغيّر اسمها .. وإن لم تكن تحتمل هذا التغير وهذا الحب الذي تكرهه فاذهب إلى دار أنس بن مالك لتنظر ماذا يفعل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .. وماذا يفعل معه المهاجرون والأنصار .. اذهب إلى دار أنس بن مالك فهناك أمرٌ خطير لا أظنك سوف تحتمله.
[ماذا يحدث في دار أنس]
نبي الله - صلى الله عليه وسلم - الآن في دار أنس .. والمهاجرون والأنصار من حوله يتطلعون إليه .. ينتظرون كلماته والحماس يقفز في جوانحهم .. يتطلعون إلى هديةٍ للجميع .. ها هو أنس بن مالك بين المهاجرين والأنصار .. سألناه:
ما الذي يحدث في داركم يا أنس؟ أخبرنا .. أجاب أنس إجابة كالعيد فقال:(حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار في دارنا)(١) يا الله .. ما أروعه من خبر .. هنيئًا للدنيا ..
هنيئًا لك يا أنس .. وهنيئًا لداركم ..
ها هم الصحابة يخرجون من الدار .. وقد صاروا أخوة .. فوق أخوة الإِسلام .. فالمسلم أخو المسلم .. لكن ميزة الأخوة في دار أنس أنها لم تحدث من قبل .. ولن تحدث من بعد .. إنها غيمة وحي .. أمطرتهم حبًا ثم ارتحل ولم تمطر أحدًا سواهم .. ها هي الغيمة بين شفتي أحد الصحابة وهو يحدثنا عنها فيقول:
(١) حديث صحيح. رواه البخاري وأحمدُ واللفظ لأحمد (٣/ ١١١).