فهذا النوع من البشر يستنفذ منك كل طاقات الإقناع والسلام والعفو والحكمة والموعظة الحسنة .. بل هو ينظر إلى هذه الأنماط السلوكية في الدعوة على أنها ضرب من ضروب السذاجة والسطحية والغباء تستحق الانتهازية والاستغلال والمماطلة ما أمكن .. هذا النوع لا يخضع للحق رغم سطوعه كالشمس في عينيه .. لكنه يسرع إليه إذا رأى شعاع الشمس منعكسًا على شفرة سيف حاد ..
ولأهمية هذا الأمر لم يعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه كيف سيكون الرد ولا متى .. حتى أهل بيته حتى أبو بكر لا يعلم هدف هذا الاستعداد ولا وجهته .. فقد دخل أبو بكر الصديق على ابنته "عائشة وهي تغربل حنطة لها .. فقال: ما هذا؟ أمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاز .. فقالت: نعم فتجهز، فقال: وإلى أين؟ قالت: ما سمى لنا شيئًا، غير أنه قد أمرنا بالجهاز"(١) ثم صدرت أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين والأنصار جميعًا بالتأهب فامتثلوا .. وبعث - صلى الله عليه وسلم - إلى قياداته من بني سليم ومزينة فتطوع من بني سليم حوالي السبعمائة أما مزينة فتجاوزوا هذا العدد ليصلوا إلى ألف مقاتل .. وتداعت القوات من كل مكان في الجزيرة .. حتى توافر لدى النبي - صلى الله عليه وسلم - قوة ضاربة قوامها عشرة آلاف مقاتل .. كل ذلك وهم لا يدرون إلى أين سيتوجه بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - .. والمدهش في الأمر أن شهر رمضان قد دخل على الأمة فلم يتزحزح النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قراره بغزو مكة وتخليصها .. يقول أحد الصحابة عن عدد القوات المتوفرة "مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عام الفتح حتى
(١) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه البيهقي في الدلائل ٥ - ١٢ حدثنا محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة وهذا السند صحيح فجعفر ثقة من رجال الشيخين وعروة إمام ثقة مر معنا كثيرًا.