نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين .. فسبعت سليم وألفت مزينة وفي كل القبائل عدد وإسلام .. وأوعب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرون والأنصار .. فلم يتخلف عنه منهم أحد .. وقد عميت الأخبار على قريش فلا يأتيهم خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يدرون ما هو صانع" (١) وهو مؤشر على مدى السرية التي أحاط النبي - صلى الله عليه وسلم - هدف كل هذا الاستعداد الضخم الذي لم تشهد له الجزيرة العربية مثيلًا. ولا أستبعد أن يكون كبار الصحابة يرجحون أن مكة هي الهدف القادم .. لكنهم لا يستطيعون البوح بذلك لأن التلفظ به يعني مزيدًا من البلبلة والإشاعات والإرجاف وإعطاء العدو فرصة للتأهب .. وهم يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يريد ذلك كله .. لكن أحد أفاضل الصحابة من المهاجرين ورجال بدر العظماء قام بعمل خطير جدًا لا يقوم به إلا منافق أو عدو لهذه الأمة .. لقد كان هذا الصحابي الجليل لماحًا فهم من هذه الجموع والترتيبات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يقصد قبيلة عادية من قبائل الجزيرة .. فقد انتصر على كل القبائل التي واجهها بسرايا محدودة العدد محدودة التجهيز .. لكن الأمر اليوم يحمل بين حروفه ضربة حاسمة ستغير وجه الجزيرة وأعماق من يسكنها .. فلا يمكن أن تكون إلا أعظم قبيلة على أرض الجزيرة ولا يمكن أن تكون إلا أقدس أرض على سطح الأرض .. وهذا ما جعل انتقام قريش من ذوي المسلمين الضعفاء متوقعًا .. وكان أهل حاطب في مكة معرضين لانتقام طواغيت قريش في حالة مداهمتهم .. وربما يستغلونهم كرهائن في حالة الانكسار وأشياء عديدة وثقيلة كالهموم تغرز حرابها في رأس
(١) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الحاكم ٣ - ٤٦ حدثني الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: والزهري إمام مر معنا كثيرًا وعبيد الله تابعي ثقة فقيه ثبت من رجال الشيخين: التقريب ١ - ٥٣٥.