هذه هي قصته - صلى الله عليه وسلم - مع الجن .. سمعوه وهو يصلي في طريقه إلى عكاظ .. ثم التقى بهم مرة .. وأخرى .. وربما ثالثة ورابعة .. لقد أُمر - صلى الله عليه وسلم - بإرشادهم .. بإنقاذهم من عوالم الشرك التي تموج ولا نراها .. لكنه لم يؤمر بالاعتماد عليهم .. ولا بإقامة علاقة بينهم وبين أصحابه .. فكلٌ يدعو في مجاله .. وكل يتوهج في ميدانه .. هنا عالم للإنس وهناك عالم للجن .. وما يهمنا هو عالمنا .. فماذا فعل - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فرغ من صلاته متجهًا نحو عكاظ؟
[في عكاظ]
وصل - صلى الله عليه وسلم - إلى عكاظ تتبع القبائل .. دخل خيامهم وبشرهم ودعاهم .. كل القبائل دون استثناء .. بي عبس .. وكندة .. وبكر بن وائل .. وبني عامر بن صعصعة .. وبني حنيفة .. وغرهم .. فكانت بعض القبائل تصرفه بلطف .. والبعض بعنف .. وهناك من يشتمه ويسبه ويتهمه .. وكان خلف ذلك الرفض أكوام الوصايا تحذر من فتى قريش - صلى الله عليه وسلم -. يقول أحد الصحابة رضي الله عنه:
(إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبث عشر سنين، يتبع الحاج في منازلهم، في المواسم: مجنة، وعكاظ ومنازلهم. بمنى: من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة، فلا يجد أحدًا يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل يرحل صاحبه من مصر، أو من اليمن، فيأتيه قومه أو ذوو رحمه، فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك. يمشي بين رحالهم، يدعوهم إلى الله
= ابن مسعود، وهذا الطريق حسن لذاته وقد مر معنا تخريجه .. كذلك طريق آخر عند أبي نعيم. انظر تفسير ابن كثير (٤/ ١٦٤) وانظر تخريج الأحاديث التي جمعتها في تخريج أحاديث السيرة.