توعدًا دون الوعيد الأول. فلما رأى أسعد بن زرارة منه لينًا قال: يا ابن خالة اسمع من قوله، فإن سمعت منكرًا فاردده بأهدى منه، وإن سمعت حقًا فأجب إليه. فقال سعد:
ماذا يقول؟ فقرأ عليه مصعب بن عمير: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فقال سعد بن معاذ: ما أسمع إلا ما أعرف. فرجع وقد هداه الله تعالى، ولم يظهر لهم الإِسلام حتى رجع إلى قومه، فدعا بني الأشهل إلى الإِسلام، وأظهر إسلامه، وقال: من شك فيه من صغير أو كبير، أو أنثى أو ذكر، فليأتنا بأهدى منه نأخذ به، فوالله لقد جاء أمر لتحزَّنَّ فيه الرقاب.
فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد بن معاذ ودعائه، إلا من لم يذكر، فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرهم، ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ، فلم يزل عنده، ويهدي الله على يديه، حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة، وأسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح، وكسرت أصنامهم، وكانت المسلمون أعز أهلها، وصلح أمرهم، ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يدعى المقرئ) (١).
عاد المقرئ إلى معلمه ونبيه - صلى الله عليه وسلم - يبشره بأن يثرب قد ملئت دروبها بحطام الأصنام .. يبشره بأن أبوابا مشرعة للشمس والهواء .. للقلوب المحبة
(١) سنده مرسل عند أبى نعيم (٣٠٦) وهو مرسل عروة، وروى مرسلًا عن الزهري، لكن للخبر شاهد عند ابن إسحاق (ابن هشام ٢/ ٦٠): حدثني عبد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، وهذان تابعيان ثقتان ولبعض الخبر شواهد صحيحة مر بعضها.