فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري، فقدمه فرحله ثم استأخر عني، وقال: اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي. حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمر وابن عوف بـ (قباء) قال:
زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة بها نازلًا- فادخليها على بركة الله، ثم انصرف. فكانت أم سلمة رضي الله عنها تقول:
والله ما أعلم أهل بيت في الإِسلام أصابهم ما أصاب أبا سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة) (١). في غربة الدروب والأسفار لا طفل .. لا حبيب .. لا ظل .. لا أشجار .. عام بلا نهار .. عام بلا نهار .. في الأبطح المزروع بالرماح والقضبان .. هند تموت .. في كل ساعة تموت .. والشرك شرطة تحاصر الأنفاس .. وترفض العبور تقفل المكان .. وتفسح الطريق عبر غابة الأكفان. للحزن والرمضاء والزمام .. عثمان يخطف الزمام .. وينقش الشهادتين والوعود .. كي يعود .. لأنهر الحياة والإسلام .. لا بد أن يعود ..
فإن بين جوانح هذا الشهم إسلامًا مكتوف اليدين .. يحتاج إلى شرارة تحرق قيده .. وتزيح ركام الجاهلية الجاثم على أنفاسه.
(١) رواه ابن إسحاق (ابن هشام ٢/ ٨٠) وقد صرح بالسماع من والده فقال: حدثني أبي يسار، عن سلمة بن عبد الله عمر بن أبي سلمة، عن جدته أم سلمة، قالت: في هذا السند والد ابن إسحاق وهو إسحاق بن يسار وهو ثقة .. انظر التقريب أما سلمة فهو تابعى وثقه ابن حبان فيحتاج إلى مزيد من التوثيق وقد أوردته لأن سلمة تابعى روى عنه عدد من ثقات التابعين وأعلامهم ومنهم: الثقة الثبت عمرو بن دينار، وعطاء بن أبي رباح وهو ثقة فقيه فاضل وكذلك والد ابن إسحاق وهو تابعى ثقة. انظر التهذيب (٤/ ١٤٨). ولأنه يروي هذا الحديث عن جدته.