للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قريش واغتصبتها تسيل أمامهم تجارةً تنمو بين أيدي المشركين وهم الحفاة الذين تشققت أقدامهم من العوز والفقر .. وأضناهم الجوع والتعب .. إنك تبحث بين هؤلاء الرفقة .. تسألهم أين سعد بن أبي وقاص .. أين عتبة بن غزوان ألم ينطلقا معكم من المدينة .. ؟ فتأتيك الإجابة حسرةً ..

لقد إنطلق سعد وعتبة وسارا مع السرية .. لكن على جملٍ واحد جاءا .. يركب أحدهما وينزل الآخر .. ويركب الآخر فترة ليمشي صاحبه .. أما الآن فلا جمل لهما لقد ند وهرب وهما يركضان على أقدامهما المتشققة خلفه .. يذرعان بطون الأودية والشعاب ولا أحد غير الله يعلم ما سيحدث لهما .. ما هو موقف الإنسان .. أي إنسان حافي القدمين يبحث عن جمل ثم يرى جماله المسلوبة منه تتقاطر بالمال بينما تتقاطر قدماه بالدماء .. ما هو موقف من يرى حقه من اللباس والطعام والشراب .. يتجه نحو من؟ نحو خشبةٍ ملقاةٍ على ظهرِ الكعبة .. أو نحو كاهن من سدنة تلك الأصنام .. لا يعرف لله قدرًا ولا للتوحيد منزلةً .. ما هو شعور سعد المشرد الفقير الذي يصف الأجواء التي عاشها في مثل تلك المهمات الصعبة فيقول:

(إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله .. وكنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا ورق الشّجر .. حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط) (١).

إن رجلًا لا يجد سوى ورق الشجر لمعذور أن ينهب ما يسد به رمقه ويدفع به الموت عنه .. فكيف إذا كانت تلك الأموال أمواله وأموال أصحابه ..


(١) حديث صحيح. رواه البخاري (٣٧٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>