للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتبايعه بعد أن أذهلتها أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماحته وعدالته عن كل ما مضى .. تقول عائشة - رضي الله عنها -: "جاءت هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله .. ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك .. ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك .. قال: وأيضًا والذي نفسي بيده .. قالت: يا رسول الله .. إن أبا سفيان رجل مسيك .. فهل عليَّ حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ قال: لا أراه إلا بالمعروف" (١) أي خذي من ماله قدر ما تعارف عليه الناس من مصروف.

إن إسلام هذا الكم من البشر في هذه الفترة القصيرة يوحي بحقيقة ثقافة المنتصر المقنعة وأنها لا تحتاج إلى الكثير من العناء للقبول .. لأن كل أدوات العناد الهزيلة لا تستطيع التماسك أمامها .. أما إذا كان من يحملها دون سلطان أو دولة فالثقافة المقنعة تحتاج إلى رجال كمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المهاجرين والأنصار يحملونها بسلوكهم وتعاملهم ورحمتهم لا بالتزامهم في جانب العبادات فقط .. فالعبادة بين الإنسان وبين ربه وقد تنقع فئة قليلة من أصحاب العقول وممتازي البشر .. أما دهماء الناس فتنتظر وتنظر دائمًا إلى من يقدم لها شيئًا يروي غليلها ويحقق أحلامها بسلوكه وإنجازه .. عندها يجد التوحيد دروبًا فسيحة نحو النفوس .. وهذا ما يفعله محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام اليوم على أرض مكة وتحت سمائها ..

ها هو أحد الرجال القادمين لرصد الأحداث يعود إلى قومه محملًا بالإيمان فيروي ابنه الصغير بغبطة قصة عودة والده وقصة المجد الذي توجه به قومه رغم صغر سنه فيقول:


(١) صحيح البخاري ٣ - ١٣٩٠. ومعني مسيك: أي بخيل

<<  <  ج: ص:  >  >>