"لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في وادي من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارًا .. وفي عماية الصبح وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا"(١)
أما جيش المسلمين فكان كالعادة منظمًا ومقسمًا يقول أنس:"وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد" وهذا يدل على أن هناك جناحًا أيمن وآخر أيسر وقلبًا يقوده النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشعر ببعض الخوف ليس من الأعداء فما خرج إلا وقد أعد لهم واستعد .. لكن خوفه كان من هذا الجيش العظيم الذي يقوده الآن .. والنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله يتذكر نعمة الله وأنه لا بد من شكره عليها في غمرة الانتصار .. ولا بد أن يتذكر الإنسان في أوج الانتصار أنه لا يزال إنسانًا مخلوقا ولا بد لهذا المخلوق أن يظهر ويبطن الامتنان لخالقه تحت أي ظرف من الظروف .. ها هو - صلى الله عليه وسلم - وبعد كل صلاة فجر يحرك شفتيه فيتساءل الصحابة عن تلك الأحرف التي لا يسمعونها ويشعرون بالشوق إليها .. فيقول الصحابي المهاجر الصابر المجاهد صهيب الرومي رضي الله عنه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يحرك شفتيه أيام حنين بشيء لم يكن يفعله قبل ذلك: قال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن نبيًا كان فيمن كان قبلكم أعجبته أمته فقال لن يروم هؤلاء شيء فأوحى الله إلي أن خيرهم بين إحدى ثلاث: إما أن أسلط عليهم عدوًا من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع ... أو الموت .. فقالوا: أما القتل أو الجوع فلا طاقة لنا به ولكن الموت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات في ثلاث سبعون ألفًا فقال - صلى الله عليه وسلم -
(١) سنده صحيح رواه إسحاق -السيرة النبوية ٥ - ١١٠ حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال .. وعاصم وعبد الرحمن ثقتان وقد مر معنا تخريج السند عند الحديث عن العزى.