ولم يكن هذا الشاب يدري أن القضاء أقوى منه .. ومن فدية أبيه .. لم يكن يدري أن تلك الأحلام الراقصة في مخيلته كانت لغيره .. إنها للعالم أجمع .. أما هو فتوشك أن تدلف بيته الصغير سحابة سوداء .. مشبعة بالحزن والدموع والنواح .. فعبد الله الذي فر من الموت بمائة من الإبل يسعى إلى حياضه على واحد منها .. امتطى راحلته وتوجه نحو يثرب .. حيث كان الموت في انتظاره ليسكنه في أحد مقابرها .. بعيدًا عن عبد المطلب .. بعيدًا عن مكة .. بعيدًا عن آمنة الحزينة .. التي كانت تحمل أمانة عبد الله وأحلام عبد الله .. جنينًا يتيم قبل أن يرى هذه الدنيا.
كانت مكة تتساءل: أحقًا مات عبد الله؟
كأني بعبد المطلب والفاجعة أفقدته صوابه يسأل القادمين من يثرب فردًا فردًا .. يعترض قوافلهم .. يتعلق بأزمة مطاياهم .. علّه يسمع تكذيبًا لما سمع .. علّ أحد المسافرين يصيح بوجهه فيقول: أبشر فعبد الله لم يمت ما زال حيًا .. وهو قادم إليك ..
لكن صمت القوافل كان يحمل أنفاس عبد الله الأخيرة تودع هذه الدنيا .. وتودع عبد الطلب .. لينثني ذلك الشيخ الكظيم طاويًا حرقته بين أضلاعه .. يحاول دفع ما به من حزن فتفضحه عيناه أمام آمنة المفجوعة .. فتبكي حبيبها الذي قبض بعيدًا عنها .. وفارقها في وقت كانت تحترق لعودته .. تشتاق لرجوعه محملًا بالحب والهدايا وحكايات السفر.
الحيرة والوجوم يملآن مكة لهفًا على عبد الله .. لكن ذلك لم يدم طويلًا فقد جاء: