للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله لقد استبطأت بعيري هذا، أفلا تحملني على ناقتك هذه. قال عياش: بلى. فلما أناخ، وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عديا عليه وأوثقاه، ثم أدخلاه مكة، وفتناه، فافتتن، فكنا نقول: والله لا يقبل الله ممّن افتتن صرفًا ولا عدلًا، ولا يقبل توبة، قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - المدينة أنزل فيهم وفي قولنا لهم، وقولهم لأنفسهم: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (١) قال عمر بن الخطاب: فكتبتها في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص. قال هشام: فلم أزل أقرؤها بذي طوى، أصعد بها وأصوب (٢) حتى فهمتها، فألقي في نفسي أنما نزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا، فرجعت، فجلست على بعيري فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة) (٣).

يأس كاد أن يقضي على اثنين من رجال الإِسلام .. كان عمر فيها بطلًا .. شهمًا .. بعيد النظر .. يعرف من يكون طاغوت قريش الملقب بـ (أبي جهل) وما هي ألاعيبه .. لذلك مد يديه مفتوحتين يتناثر منهما ماله .. يبذله بسخاء افتداءً لأخيه من المجهول المخيف .. لكنَّ أخاه كان


(١) سورة الزمر: الآيتان ٥٢، ٥٣.
(٢) صعد النظر أي نظر إلى أعلاه وصوبه أي خفضه.
(٣) رواه ابن إسحاق (ابن هشام ٤ - ٢/ ٨٥) فقال: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال: اتعدت إنما أردتا الهجرة ..
وهذا الإسناد صحيح ورجاله ثقات أعلام معروفون، وابن إسحاق صرح بالسماع من شيخه نافع.

<<  <  ج: ص:  >  >>