للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامتثل الفارس الشاب لأمر سيده - صلى الله عليه وسلم - .. واتشح بالبرد .. وكان على استعداد ليتشح بالدماء .. فقد علمه الإسلام كيف يبذل روحه لله وحده .. علمه كيف يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من نفسه .. وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متسللًا .. وبعد خروجه (جاء أبو بكر وعلي نائم، وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، فقال: يا نبي الله. فقال علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، وجعل علي يُرْمَى بالحجارة كما كان يُرْمَى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتضور (١)، قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف رأسه، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضور، وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك) (٢).

إذًا فقد حدث تغيير بسيط في خطة الهروب بعد أن علم - صلى الله عليه وسلم - بالمؤامرة فلم ينم على فراشه .. وتسلل- صلى الله عليه وسلم - بعد تخطيط محكم وخدعة بارعة انطلت على جميع الأغبياء والأذكياء منهم .. على كل سيف صلت قد انتصب خلف باب ينتظر الجريمة .. ولم تكتشف أكداس الكفر خلف الجدار ما حل بهم إلا بعد أن تنفس الصبح في وجوههم يوقظهم ليسخر منهم .. علي بن أبي طالب كان فتى يعدل أمة .. ويخدع طواغيتًا قد ركمهم الحقد وحنطهم الغل حول الباب .. بينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بيد صاحبه أبي بكر عند بئر ميمون ويواصلان المسير على عجل .. يدفعان الجبال عنهما دفعًا .. بالتأكيد لم يكونا في نزهة خارج مكة .. لقد كانا مسرعين


(١) يتلوى.
(٢) إسناده لا بأس به, رواه أحمد (الفتح الرباني ٢٣/ ١١٨) من طريقين، عن أبي عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون عن ابن عباس: وأبو عوانه اسمه: وضاح بن عبد الله اليشكري, وهو ثقة ثبت. التقريب (٢/ ٣٣١) وشيخه اسمه: يحيى بن سليم وحديثه حسن إذا لم يخالف، أما عمرو بن ميمون أبو عبد الله الأودي، فهو مخضرم مشهور وثقة عابد. التقريب (٢/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>