للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوضاع وعليه أن ينتظر النكسة في أية لحظة تطرق بابه .. لقد استوعب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المستضعفون هذه الحقيقة .. فدعوا وأسروا واختفوا ولاقوا ما لاقوا في سبيل ربهم .. ولما أقفلت قريش أبواب مكة كلها في وجوههم تركوها لهم .. غادروها وهي أحب البقاع إلى الله وإليهم .. لقد وقف - صلى الله عليه وسلم - يومًا (بالحزوراء في سوق مكة فقال: إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت وقال: علمت إنك خير أرض الله، وأحب أرض الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) (١).

غادرها - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ضاقت به .. وغادرها الصحابة كلهم نحو مدينة مفتحة الأذرع والأبواب .. للهاربين للخلاص .. للحاملين سورة الإخلاص .. غادروها إلى مدينة عطوف .. يحن فيها كل شيء .. حتى الجذع يحن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. حتى الحجارة فيها بادلت الصحابة عشقًا .. ألم يلتفت - صلى الله عليه وسلم - إلى جبل أحد فيقول: (أحد جبل يحبنا ونحبه) (٢) إن الهجرة ترافق الشمس كل صباح تحيي الغرباء وتقول لهم: إذا أتقنتم أعمالكم تحولت مدن العالم إلى مدائن للحب والأنصار .. وشغفت جبال الدنيا بكم .. كما شغف جبل أحد بأسلافكم.

واصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه المسير .. وفي طريقهما شاهدا بعض الأغنام وشاهدا بينهما الراعي .. فطلبا منه السقيا .. فقال: (ما عندي شاة تحلب، غير أن ها هنا عناقًا حملت أول الشتاء, وقد أخرجت، وما بقي لها لبن، فقال - صلى الله عليه وسلم -:


(١) إسنادُهُ صحيحٌ. رواه البيهقي (٢/ ١٧ - ٥١٨) من طريق الزهري قال: أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهرى سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف بالحزوراء في سوق مكة وهذا الإسناد صحيح وهو المحفوظ كما قال البيهقي.
(٢) حديث صحيح. رواه البخاري. انظرصحيح الجامع (١/ ١١٤). وأُحد جبل في المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>