فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة .. ثم قال: ما لك ولهذا!! أقبل على عملك .. فقلت: لا شيء .. إنما أردت أن أستثبته عما قال .. وقد كان عندي شيء قد جمعته .. فلما أمسيت أخذته .. ثم ذهبت به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء ..) (١).
إذًا فرسول الله -صلى الله عليه وسلم - يعرف وجه هذا الغريب ويعرف قصته معه في قباء عندما قدم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - صدقة من طعام فلم يأكل منها ..
ولكنه أكل من هديته التي قدمها له في بيت أبي أيوب ..
وها هو يرى خاتم النبوة على ظهره -صلى الله عليه وسلم -.
ثلاث علامات ذاق من أجلها سلمان ألوان المر .. والترحال والتغرب والتشرد .. تشققت يداه من الكد والكدح وهو ابن النعيم والدلال .. حياة طويلة ترسف في قيود الحديد والعبودية والرق .. كان في غنى عنها لكنه ليس في غنى عن التوحيد .. فالتوحيد يعني له عالمًا من النعيم .. والحقيقة المدهشة المثيرة والانطلاق في آفاق الخلود والتحليق بلا حدود .. لم يجدها في رماد نار المجوس .. ولا بين تصاليب النصارى ولا وسط أحقاد اليهود .. وجدها بين يدي محمَّد -صلى الله عليه وسلم - .. فهدأت نفسه الثائرة وارتاحت روحه المتعبة ووجد الجدار الذي يسند إليه ظهره بعد طول العناء .. عثر على من يمسح دموعه وعرقه في طيبة الطيبة بين إخوة له في الشقاء والبحث والانتظار والوصول .. فقص عليهم ما وجده وما عاناه
(١) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق (ابن كثير ٢/ ٢٩٦) حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس وهذا السند فيه صحابيان وتابعي ثقة عالم بالمغازي هو عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري (التقريب ١/ ٣٨٥).