الحمى، فأصاب أصحابه منها بلاءً وسقم وصرف الله ذلك عن نبيه .. فكان أبو بكر، وعامر بن فهيرة وبلال -موليا أبي بكر- في بيت واحد فأصابتهم الحمى، فدخلت عليهم أعودهم -وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب- وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك ... فدنوت من أبي بكر فقلت:
كيف تجدك يا أبت؟ .. فقال:
كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول .. ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ .. قال:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه
كل امرئ مجاهد بطوقه ... كالثور يحمي جلده بروقه
فقلت: والله ما يدري ما يقول .. وكان بلال إذا أدركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته فقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفخ وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يومًا مياه مِجنةً ... وهل يبدون لي شامة وطفيل) (١)
كان بلال يحترق من الحمى لكنه أشد احتراقًا بشوقه المستعر إلى مكة .. إلى سوق مجنة في أسفل مكة إلى جبلى شامة وطفيل اللذين يطلان كالحب على ذلك السوق .. كان يحن إلى مراتع الصبا بين تلك النبتات .. بين الإذخر والجليل .. ثم يزفر بأنفاسه الملتهبة بالحمى فيقول والحسرة في صدره:
(١) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق (سيرة ابن كثير ٢/ ٣١٦) وقد سبق الكلام عليه ... وهو عند البخاري ومسلمٌ أيضًا انظر ابن كثير (٢/ ٣١٧).