للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غائبهم .. ويتفقد أحوالهم. يقول أحد الصحابة رضي الله عنه: (كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم - إذا جلس يجلس إليه نفر من الصحابة وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تحبه؟ " فقال:

يا رسول الله أحبك الله كما أحبه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال:

"ما لي لا أرى فلانًا" .. فقالوا: يا رسول الله .. بنيه الذي رأيته هلك. فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بنيه، فأخبره بأنه هلك، فعزاه عليه ثم قال -صلى الله عليه وسلم -:

"يا فلان أيما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك .. أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ " قال: يا نبي الله .. بل يسبقني إلى الجنة فيفتحها لي، لهو أحب إلي. قال -صلى الله عليه وسلم -: "فذاك لك". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله جعلني الله فداءك أله خاصة أو لكلنا؟ قال -صلى الله عليه وسلم -: "بل لكلكم") (١).

هذه القصة الحزينة الجميلة .. ما أجل الحب والبراءة فيها.

ما أجمل الطفولة في مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم - .. وما أجمل هذا النبي وهو يسأل الرجل عن حبه .. وما أجمله وهو يحرضه على البوح بشيء من أعماقه .. وهو يعزيه .. وهو يعده بعينين بريئتين تتلهفان له عند باب الجنة .. هذه البشرى من عند الله ليست للرجال وحدهم .. وهذه العناية منه - صلى الله عليه وسلم - ليست للرجال فقط .. يحدثنا صحابي آخر فيقول: (كان -صلى الله عليه وسلم - يتعهد الأنصار، ويعودهم، ويسأل عنهم، فبلغه عن امرأة من الأنصار مات ابنها وليس لها غيره، وأنها جزعت عليه جزعًا شديدًا، فأتاها النبي -صلى الله عليه وسلم - ومعه أصحابه،


(١) حديث صحيح. صححه الإِمام الألباني في أحكام الجنائز (١٦٢) وقد رواه النسائي وأحمدُ والحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>