بل لقد بكى .. فكيف يكون شجاعًا وكيف يرغب في الشهادة وقد انتابه الخوف والبكاء .. تلك قصة عجيبة رويت عن أخيه سعد حيث يقول:
(رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر يتوارى .. فقلت:
مالك يا أخي؟ قال:
إني أخاف أن يراني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستصغرني، فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة ..
[فعرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستصغره .. فقال: ارجع .. فبكى عمير فأجازه رسول الله] فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره) (١) كأني بسعد يعقد سيور سِيفه لأخيه ويبتسم .. فيبتسم عمير لمن حوله وللجنة .. قصة مؤثرة ودموع من أجل الشهادة .. وشاب ملأت الجنة روحه وجوانحه .. إنها حال الشباب في أي زمان ومكان تحل فيهما قيادة إسلامية صافية ومخلصة .. لقد اجتاز عمير بن أبي وقاص آخر العقبات في حياته وها هو أمام بوابة مشرعة على الخلود .. عمير من ثمار الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. عمير وغيره .. انظروا إلى هذين .. إنهما صديقان يكبران عميرًا بقليل .. أسدان اسم أحدهما: معاذ بن عمرو بن الجموح واسم الآخر: معاذ بن عفراء ..
(١) ما أريده من هذه القصة هو ما بين المعقوفين أما ما كان خارجهما فسنده ضعيف لأنه من طريق الواقدي كما في الإصابة -ترجمة عمير- وعند ابن سعد (٣/ ١٤٩) وما بين المعقوفين عند الحاكم (٣/ ٤٧) من طريق يعقوب الزهريّ أخبرنا إسحاق بن جعفر بن محمَّد بن عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمَّد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه .. وهذا السند صحيح ورجاله ثقات لولا أوهام يعقوب بن محمَّد الزهريّ وهو صدوق لكنه لم ينفرد فقد تابعه شيخ البزار في روايته (كشف الأستار ٢/ ٣٥١) واسمه محمَّد بن قيس. ولعله توبع أيضًا عند البغوي فقد روى الحديث كما قال الحافظ في الإصابة.