للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفشلت محاولة عقبة .. أفشلها أسد من أسود الإِسلام .. أحبطها أبو بكر رضي الله عنه .. فانسحب عقبة وهو يضمر شرًا .. فلما خرجت قريش إلى بدر أشرًا وبطرًا خرج عقبة معها لينفس عن أحقاده وشروره .. لعله يحظى برأس محمَّد وصاحبه أبي بكر معًا .. لكنه فشل من جديد .. وها هو علي بن أبي طالب يجتره من بين الأسرى وهو يرتعد خوفًا من الموت فيحاول أن يدفع الموت عنه بكلمة يستدر بها رحمةً .. أي رحمة؟ .. لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتله بكلمة قبل أن يقول السيف كلمته .. حدث ذلك عندما (قام علي بن أبي طالب فقتله صبرًا .. قال:

من للصبية يا محمَّد؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: النار) (١) عقبة يذكر الصبية لكنه لا يذكر الله ولا الإِسلام وكأن سبب هذه المعركة ثأر قديم أو خلاف في وجهات النظر بين أفراد قبيلة واحدة .. ومع ذلك فيمكن لعقبة أن ينجو من الموت .. وأن ينجو من النار لو أنه اختار الله ورسوله .. لكنه وهو على شفير الموت يرفض ذلك .. لو تشهد لنجا من سيف علي .. لكنه يرفض أن يكون عبدًا لله وحده ويرضى بأن يكون عبدًا لحجر ملقى على ظهر الكعبة هو صنعه بيديه .. بل حاول قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل ذلك الحجر .. فكان لعقبة ما اختار من لهيب السيف والنار .. وقذف عقبة مع أصحابه في تلك القليب النتنة المحشوة عفنًا وكفرًا وجحيمًا .. قذف عقبة باختياره .. أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يكره أن يسلم عقبة والأسرى جميعًا .. لقد نفذ أمر ربه الذي يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠)} (٢) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان رحيمًا فلم يكره أن يسلم عقبة ابن أبي معيط .. لم


(١) هو أخر حديث عبد الرزاق السابق (٥/ ٢٠٦).
(٢) سورة الأنفال: الآية ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>