وروى أحد الصحابة ما حدث لحملة الراية من المشركين شيئًا مذهلًا .. لقد استبدلتهم سيوف حمزة ورفاقه سبع مرات أو أكثر .. يقول رضي الله عنه:(وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوّل النهار، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة)(١)، يتساقطون كجدران الطين القديمة وقد داهمتها الرياح والأمطار .. وخلت الساحة من ثأر المشركين ومكرهم ..
خلت الساحة إلَّا من ركضهم بحثًا عن بقايا حياة بعد أن مات ثأرهم .. وسافر بعضهم إلى الجحيم .. كانت الساحة مليئة بجثث الطواغيت المنتنة .. المتناثرة في كل مكان .. وكان عدد الجثث حتى الآن قريبًا من السبعين جثة .. أحد هذه الجثث كان حيًا مصابًا يتظاهر بالموت خشية أن يجهز عليه أحد فرسان محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .. لقد سقط هو وحلمه الذي حمله معه من مكة .. فقد خرج ليقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن رفاق حمزة أسقطوهما معًا .. هذا الرجل يدعى (وهب بن عمير) ومازال لديه أمل بالحياة .. يقول أنس بن مالك: (كان وهب بن عمير شهد أُحدًا كافرًا، فأصابته جراحة، فكان في القتلى، فمرّ به رجل من الأنصار فعرفه فوضع
(١) ظاهر سنده الضعف لكنه صحيح رواه الإمام أحمد (١/ ٨٧ - ٢/ ٢٨٨): حدثنا سليمان ابن داود أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، وعبيد الله تابعي ثقة فقيه -أحد الفقهاء السبعة (التقريب- ١/ ٥٣٥)، وأبو الزناد تابعي ثقة (التقريب-١/ ٤١٣) وأما ابنه فمن أجله قلت ما قلت .. فهو ثقة لكنه تغير عندما قدم بغداد، فالنقاد يضعفون ما رواه في بغداد، وسليمان ابن داود بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس -وهو ثقة فقيه جليل- ممّن سكن بغداد، لكن الناقد المعروف علي بن المديني رحمه الله قال -مستثنيًا رواية هذه الثقة عن شيخه عبد الرحمن: (ما روى سليمان الهاشمي عنه فهي حسان، نظرت فيها فإذا هي مقاربة، وجعل علي يستحسنها) ذكر ذلك الإمام الترمذيُّ في علله: (٢/ ٦٠٦).