للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا والده زيد بن محمَّد .. فقد حلاه والده - صلى الله عليه وسلم - بشي أنفس .. لقد زوّجه النبى - صلى الله عليه وسلم - من ابنة عمّته أميمة بنت عبد المطلب واسمها: زينب بنت جحش .. فكان الزواج دليلًا على حبّ - صلى الله عليه وسلم - لزيد .. وعلى تحطيمه - صلى الله عليه وسلم - لقيود الجاهلية التي كانت تعيق وتشوّه تناغم المجتمع الإِسلامي ومساواته وتآخيه .. فزيد في نظر المشركين لا يزال عبدًا .. لكنه عند المسلمين ابن محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .. وهو في نظر الوثنيين لا يستحق الزواج بزينب .. لا يستحق الزواج إلَّا بأمةٍ .. لكنه عند المؤمنين: حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وهو في عين النبى - صلى الله عليه وسلم - أمير من أمراء الإِسلام -وإن طعن من طعن في إمارته- قال - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو يتحدث عن أسامة بن زيد: (كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده) (١).

هذا هو زيد في عالم الإِسلام وميزانه .. أمّا أولئك الذين يرفضون ميزان الإِسلام ويصرّون على التطاول بأنسابهم فقد بشّرهم - صلى الله عليه وسلم - باحتقار شنيع لا يطيقونه .. قال - صلى الله عليه وسلم -: (لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا -إنما هم فحم جهنم- أو ليكونّن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو: مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من التراب) (٢) ولئن كان التراب أصلًا للجميع .. ولئن جعل الإِسلام زيدًا ابنًا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - .. فقد توهج الإِسلام حتى امحت فيه الفوارق .. كل الفوارق .. فكانت هذه القصة .. التي امحى فيها كل شيء بين النبى - صلى الله عليه وسلم - وأحد الشباب الفقراء الذين لا يملكون مالًا ولا نسبًا .. ذاب كل شيء بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا


(١) حديث صحيح رواه البخاري (٤٤٦٩).
(٢) حديث صحيح انظر: صحيح الترمذى (٣/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>