عليها وعلى قومها وعلى الناس جيعًا من محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .. لقد وجدت في رحمته وسماحته مكانًا لمطالبها الصعبة .. فهي أسيرة عنده .. ومع ذلك تطلب منه أن يعينها للفكاك بماله .. فيأخذ بيديها .. ويشرع لها بابًا يطل على كنوز الدنيا والآخرة .. وهل هناك كنز في الدنيا أعظم لها من أن تكون شريكة حياته - صلى الله عليه وسلم - .. وهل هناك كنز في الآخرة إلَّا كنوز الجنّة .. لم تقتصر بركته - صلى الله عليه وسلم - على تلك الكريمة الجميلة .. لقد كانت بركة كالشمس ينساب شعاعها على أكثر من مائة بيت من بني المصطلق .. فانطلقوا في دفئها وشعاعها يحملون الحرية والعرفان للنبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام ..
وفي وسط تلك الأجواء الاحتفالية .. كانت عائشة تحسّ بآلام السفر والإعياء الشديدين .. سقطت بعد أيام قليلة في فراشها .. وطال رقادها على فراشها وأنينها .. لكن ألمها ازداد عندما أحست بجفوة غريبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - .. أحسّت بتغيّر معاملته لها .. وهي التي تعوّدت منه الرقّة واللطف .. خاصة عندما تكون مريضة .. حيث يتدفق عليها - صلى الله عليه وسلم - يغمرها بكلماته ولمساته الحانية المحبة .. تقول عائشة رضي الله عنها:
(فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى، "أنكرت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي، فلم يفعل ذلك في شكواي تلك، فأنكرت منه" إنما يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عليَّ وأمي تمرّضني" فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ "لا يزيد في ذلك" ولا أشعر بالشر) (١).
(١) حديث صحيح رواه مسلم (٢٧٧٠) واللفظ له والبخاريُّ (٤١٤١) والزوائد لابن =